Senin, 05 Juli 2010

دراسة الأديان عند العامري ويواخيم واخ
دراسة تحليلية نقدية مقارنة

Eko Asmanto
Fakultas Tarbiyah IKAHA Tebuireng Jombang
ABSTRACT;
Merumuskan studi agama secara ilmiah dalam konteks perubahan pemikiran yang sedemikian pesatnya ternyata bukanlah pekerjaan yang mudah. Banyak materi, bahan, teknik dan metodologi yang digunakan dalam mengungkap misteri keberagamaan agama-agama dunia saat ini yang diusung sejumlah tokoh agama, para teolog, dan filosofis barat modern, namun ternyata menjadikan studi agama hanya sekedar beradabtasi pada patologi sosio-historis yang sangat akut.
Dalam kurun waktu yang cukup lama, sejumlah pemikir klasik Muslim (Moslem Classical Scholars) telah memberikan kontribusi awal yang cukup ilmiah, dengan mem-pioneer-i ragam bentuk studi terhadap agama-agama secara metodologis dalam teori maupun praxis-nya.
Diantara para pemikir klasik muslim tersebut adalah Abu-l-Hasan Al-‘Amiri, salah seorang tokoh Muslim di awal abad ke – 4 H, yang wafat pada tahun 381H/992 M. menulis dalam sebuah buku yang sangat sistematis, akurat dan sangat logis, menggambarkan studi agama secara metodologis yang sarat dengan nilai-nilai justifikasi dan objektivitas akan studi terhadap agama hingga sampai apa yang ia namakan truth of religion (ad-din al-haq).

Kata kunci: studi agama, ilmu agama, klaim kebenaran, the true religion, pengalaman keagamaan, dimensi agama.


أ‌. التمهيد
لا تزال قضية دراسة الأديان هي القضية الكبرى التي ينبغي أن تنصرف إليها بعض اهتمامات الباحثين والدارسين في العالم الإسلامي المعاصر، فهي الدراسات المتعلقة بالأديان العالمية، والمذاهب الفكرية المختلفة، والفلسفات الدينية المتعددة، والمناهج الدراسية المتنوعة.
ودراسة الأديان مهما اختلفت التفسيرات، وتعددت المناهج، وتنوعت النوازع الدينية والاتجاهات الفلسفية من صلب اهتمام العلماء والفلاسفة، وقد ظلّت هذه الدراسة أمرًا يحتاج إليه البشر ليوجهه إلى الفكرة السليمة والعقيدة الصحيحة من الدين الحق.
وإذا رجعنا إلى جهود علماء المسلمين الذين عنوا بدراسة الأديان على طول تاريخهم، فسنجد جانبا مهما من اهتمامهم متعلقا بدراسة الأديان، لا ينكر ذلك إلا من يجهل تاريخ الحضارة الإنسانية عموما والإسلامية على وجه الخصوص.
على هذا الصعيد، لا نستطيع أن نتعرض لجميع أو معظم العلماء الذين تركوا آثارا علمية متخصصة في هذا المجال في مثل هذه الدراسة، بل نختار لذلك واحدا من الشخصيات العظيمة في تاريخ الفكر الإسلامي، له نظريات عديدة في حقل مقارنة الأديان. وهو يمثل حِقْبَة عزيزة من حقْب الحضارة الإسلامية الزاهرة، فاخترت أبا الحسن العامرى المتوفى سنة 381هـ.
إن أبا الحسن محمد بن أبي ذر يوسف العامرى النيسابوري، الذي برز في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي، يأتي في مقدمة علماء مقارنة الأديان من المسلمين، حيث له عدّة مؤلفات في العقيدة ومقارنة الأديان. ويمكننا أن ندرك مدى جهده في دراسة الأديان من خلال مؤلفاته التي وصلت إلينا، ومن كتبه الخاصة بمقارنة الأديان ما يلي:
1. كتاب الإعلام بمناقب الإسلام وهو دراسة مقارنة للإسلام بخمسة أديان أخرى وهي؛ اليهودية، والنصرانية، والمجوسية، والوثنية (الشرك)، ودين الصابئة. وتتناول المقارنة مجالات محددة وهي؛ العقيدة، والعبادة، والشريعة، والسياسة، والأخلاق، والاجتماع، والثقافة.
2. كتاب الأمد على الأبد، وهي دراسة مقارنة لعقيدة البعث والمعاد (خاصة بين الإسلام والفلسفة اليونانية).
والأمر الذي يهمنا هنا هو التعرّف على بعض نظرياته في دراسة الأديان، وذلك من خلال مفهومه لدراسة الأديان ومنهجه في المقارنة بين الأديان وفروع علم الأديان، وموقفه من علم الاجتماع الديني وفلسفة الدين.
ولعلّ هذا التصور يشير إلى أن للعامرى عناية كبيرة بدراسة الأديان حيث قارن بين الإسلام وغيره من الأديان في مسائل محدّدة وهي العقائد والعبادات والمعاملات والحدود بنظرة نقدية علمية، وجعل العقل هو المقياس والحكم في هذه المقارنة. ومن ثم يأخذ الإسلام كنظام متكامل للحياة الإنسانية المتطورة بواقعية وسعة أفق وإدراك عميق لروح الدين وسماحته. فيكفينا معرفة نظرياته الريادية في مجال دراسة الأديان لبيان قيمة مشاركاته في هذا المجال.
ومن جهة أخرى، نجد أن تصور علماء الغرب الحديث لهذه الدراسة ما زال مرتبطا بالدراسة العلمية الموضوعية لمعرفة الأديان ذاتها، لا لغرض آخر. حتى أصبحت عملية الكتابة في هذا المجال مرهونة بالالتزام بعدّة مناهج وباتباع الاتجاهات الغربية التي لم تحدد تحديدا علميا دقيقا، خصوصا في بلاد الغرب.
فلا غرابة إذا، إذا كانت دراسة الأديان دراسة علمية موضوعية في الغرب الحديث قد شغلت العلماء والفلاسفة نتيجة تطور الفكر الديني في الغرب الحديث. فظهرت دراسة الأديان في ضوء المناهج العلمية بعيدة عن تعاليم الأديان وبغض النظر عن صلاحية هذه المناهج في دراسة الأديان. ومما لا شك فيه، أن هذه الحالة أدت إلى ظهور عدد من النظريات الجديدة في هذا الموضوع. ويكفينا أن نتعرف على فكرة "يواخيم واخ" (Joachim Wach)، في موضوع دراسة الأديان.
وإذا نظرنا في واقع الفكر الدينى الغربي الحديث، وفي بحوثهم عن نشأة علم الأديان فسنجد أنهم يتجاهلون ويهملون دور المسلمين الأوائل بقصد أو بغير قصد. وليس بخاف، أن بعض النظريات في دراسة الأديان عند العامري بوجه الخصوص قد اتفق مع الغربيين في المبادئ، وإن كان ثمة اختلاف على ما سوف تبرزه هذه الدراسة بإذن الله تعالى في التفصيلية.

ب‌. إشكالية البحث
انطلقت في هذا البحث من نقطة بَدْء أظنها مبررا كافيا (بشكل ما) لتحديد المشكلة في هذه الدراسة، وهي محاولة فهم علاقة دراسة الأديان لدي العامري بدراستها لدي علماء الغرب منهم يواخيم واخ. علما بأن هناك جوانب شاغرة حول فكرة العامري في هذا الجانب حيث يمكن لنا تحليلها ومناقشتها لعلاقتها الوثيقة بالنظريات الغربية الحديثة.
غير أن هناك إشكالية أخرى، حفزتني أن أهتم بهذا الموضوع، وهي معرفة المبادئ المتفقة والمبادئ المختلفة في دراسة الأديان بين العامري يواخيم واخ. غير أننا نعرف أن الغربيين يتجاهلون ويهملون بيان دور المسلمين الأوائل، ويزعمون أنهم أصحاب السبق في هذا المجال وغيره.

ج. منهج البحث
ثمة ملاحظات عامة تتعلق بطريقة البحث، ويجب أن أشير إليها فيما يلي؛
1. حاولت كي يكتسب البحث صفة العمق والأصالة أن أعتمد قدر الطاقة على مصادر أصلية في استمداد مادة جديدة يتضمنها البحث وينبني عليها التحليل والاستنتاج.
2. عنيت بدراسة الموضوع دراسة تحليلية نقدية مقارنة مع النظريات الحديثة. وذلك من خلال الأفكار المتميزة المطروحة لدي الغربيين مما له قرابة من الأفكار العامرية في دراسة الأديان.

د‌. لمحة تاريخية عن حياة العامري
ولد أبو الحسن محمد بن أبي ذر يوسف العامري في أوائل القرن الرابع الهجري سنة 300هـ/912م (على ما يُرجّح) بمدينة نيسابور، عاصمة خراسان. فهو شهير بلقب "العامري"، كما وردت كنيته هذه في كتابه "الإعلام". وقد قدّمت الأساتذة محققو مؤلفات العامري بحوثا مستفيضة عن العامري حياته ونشأته ، حيث يمكن الرجوع إليها والاعتماد عليها، ولكن الأسف لا يوجد التعيين الدقيق يدل على أخبار مواليده ومكانة أسرته، كما لا يُعرف بكثير عن حياته المبكرة أيضا. ولكن مع ذلك إنه قد أمضى حياته المبكرة لتلقى ثقافة دينية واسعة وتربية دينية عميقة بخرسان.
وقد تلقّى العامري علومه الأولى من والده عن ثقافة دينية واسعة وعميقة في مجال السيرة النبوية والتفسير والفقه في بداية عهده ، كما قرّر أبو سليمان المنطقي السجستاني في "منتخب صوان الحكمة". فيتبين من هذا، كان أوَّل سماع العامري من والده نفسه، أبو ذر محمد بن يوسف، وكان فقيها قاضيا حاكما ببخارى ووزيرا، وهو أحد أعلام عصره.
وقد درس العامري اللغة والأدب والكلام والفلسفة علي الفيلسوف الجغرافي المشهور، أبو زيد أحمد بن سهل البلخي المتوفي سنة 236هـ/932م، في مدينة شامستيان (بلخ). وكان البلخي أديبا، متكلما، فيلسوفا، وضع مؤلفات كثيرة في مختلف العلوم في تفسير القرآن وأصول الدين وعلوم النحو والسياسة. وقد كتب له ياقوت "معجمه" ترجمة طويلة، وذكر قائمة مصنفاته التي تشهد ثقافته الموسوعية. وكان البلخي تلميذا لفيلسوف العرب، أبو يوسف يعقوب بن اسحاق الكندي المتوفى سنة 260هـ/873م.
وقد اهتم البلخي بدراسة الأديان المختلفة ، ودراسة الإسلام والتعمُّق فيها ، والفلسفة والأخلاق والسياسة. ويبدو من هنا، أن البلخي مارس وطبَّق على العامري تأثيرا واسعا عميقا. وأكتفي للتدليل على أثر أبي زيد البلخي في بعض كتابات العامري بالإشارة إلى التماثل بين أسماء بعض مؤلفاتهما.
وقد تلقى العامري دراسة الفقه وعلم الكلام الماتريدي على أبي بكر محمد بن على بن اسماعيل القفال في منطقة الشاس، وكان فقيها، محدثا، أصوليا، لغويا، شاعرا، إماما في التفسير وعلم الكلام والزهد والورع (ذاكرا للعلوم محققا لما يورده فردا من أفراد الزمان).
كان العامري معروفا برحلات إلى مدن مختلفة لطلب العلم ونشره، ودراسة أحوال المسلمين وتقلُّبات الأيّام والدُول. وكان من خلال أسفاره وجولاته وإقامته في العواصم الثقافية الكبيرة في العالم الإسلامي – خاصة ببغداد والري وبخارى – لها أثر بالغ في حياته الفكرية وثقافته الدينية العميقة، وخبرته الفلسفية المتعمقة وتجاربه العلمية. فهذه الرحلات العلمية التي جعلت بعض معاصريه يصفه بأنه "كان من الجوالين الذين نقبوا في البلاد، وأطلعوا على أسرار الله في العباد". فأثرت هذه الرحلات في تكوين العامري مقدرة عقلية عظيمة وبصيرة علمية نافذة باعتبار دخوله في مجالات العلوم المختلفة، ومنها؛ مجال علم مقارنة الأديان على وجه الخصوص من أوسع أبوابها حتى يخلد اسمه فيها.
فأول رحلة هي رحلة العامري إلى بخارى بحكم ارتحال أسرته سنة 323هـ، ومنها منطقة (الشاش) حيث درس فيها الفقه وعلم الكلام الماتريدي على أبي بكر القفال. وعاش فيها فترة طويلة متصلا بعلماء هذه المنطقة وأمرائها. ثم عاد إلى نيسابور سنة 343هـ، ومارس نشاطه الفلسفي حيث درّس وصنّف وأملى فيها. وفي عام 353 هـ رحل إلى مدينة الري وأقام بها خمس سنوات حيث اشتغل نفسه فيها بالتأليف والتدريس أيضا.
وفي سنة 326 هـ، انتقل إلى "بخارى" وظلّ بها فترة وعاد بعدها إلى "نيسابور" وظلّ بها حتى وفاته في اليوم السابع والعشرين من شوال سنة 381هـ، الموافق سنة 992 م بمسقط رأسه نيسابور.
ترك أبو الحسن العامري ثروة علمية ضحمة، وقد ذكر د. سحبان خليفات؛ "إنه ترك ثروة فلسفية لا تقل عن خمسة وعشرين كتابا ورسالة. وحظى بعض هذه الكتب بشهرة عريضة امتدّت زمنا طويلا بعد وفاة صاحبها.
ه. مفهوم علم الأديان
يبدو أن استخدام مصطلح "علم الأديان" مألوف على المسامع منذ أواخر القرن التاسع عشر، وإن كان في معنى غير دقيق . وقد جاء مصطلح "مقارنة الأديان" كمرادف له في بعض الأحيان، بينما كان في الوقت نفسه مماثلا لترجمة المصطلح “Religionswissenschaft” . وقبل الخوض في تفصيله، خصوصا حول السياق الذي يستخدمه العامري ويواخم واخ فيه، يلزم عليَّ أولا أن أوضّح هذا المصطلح من حيث معناه المعجمي.
"علم الأديان" تعريب لمصطلح إنجليزي حديث “Science of Religion”، نشأ أوّل ما نشأ في الغرب. ولهذا فإنّ أحسن ما يمكن أن نفعله في صدد تعريفه هو بيان معانيه كما وردت في المعاجم الإنجليزيّة. فهذا المصطلح مركّب من كلمتين؛ إحداهما Science (علم)، والأخرى Religion (الدين). ومما لا شكّ فيه أن فهم كلّ من هذين المصطلحين معا مرهون بفهم صحيح لمعنى كلّ مصطلح منهما على حِدَة، فمن الطّبيعي أن يكون تعريف علم الأديان مؤسّسا على مقتضى تعريف هاتين الكلمتين المرتبطتين؛ "علم" و "الدين".
لقد جاء اللفظ "علم" في المعاجم الإنجليزية بمعنى تحقيق المعرفة بقوة الملاحظة والتجربة المعينة بعد أن اخْتُبِرت بشكل انتقادي، ورُتِّبَتْ منهجيا تحت المبادئ العامة .
أما مصطلح "الدين" في الغرب فقد ظهر نقاش طويل، واختلاف شديد حول دراسته، الأمر الذي أدى إلى ظهور عدد من النظريات عن كيفية الاقتراب من التعريف الذي يستخدمه العلماء. ولكن طبيعة دراستنا لا تسمح لنا أن نتوغّل ونتعمّق في غور هذه التعريفات الكثيرة. ويكفينا أن نقتبس مفهومه من بعض المعاجم الإنجليزية بصفة عامة. ويمكن أن يُقال، إن "علم الأديان" هو معرفة المعتقدات الدينية المتنوعة المختلفة (الأديان بمفهومها الواسع) بواسطة الملاحظة الدقيقة والتجربة المعينة مع بقاء مميزات وخصائص كل منها .
وهذا يعنى أن الدراسة في علم الأديان ليست معيارية وهي لا تهتم بكون الدين صحيحا أو باطلا في نفسه، بل تهتم بوصفه على ما هو عليه في واقع الأمر، وفي ممارسات أصحابه باعتباره ظاهرة إنسانية واجتماعية.
أما من حيث السياق الذي يُسْتَخْدَم فيه كثيرا في مجال الدراسات الإنسانية والاجتماعية وفلسفة الدين ومقارنة الأديان في العصر الحديث، فيمكننا أن نكتفي بما جاء به يواخيم واخ، ونقارنه بما جاء به أبو الحسن العامري، كما سنوضحه إن شاء الله في الموضوعات التالية.
و. علم الأديان وأهميته عند العامري
تمثِّل دراسة الأديان وتطورها الفكري ومصادرها وإنتاجها، مبحثا هاما في الفكر الديني والثقافي قديما وحديثا. وعنايتنا بهذا الجهد المبذول، لا يُنْسِينا الخصائص التي قدّمها العامري لعلم الأديان. وإن كان العامري نفسه لم يعبّر عن مفهوم علم الأديان بعبارة صريحة حاسمة، لكن يبدو من خلال كتاباته الكثيرة والمتنوعة، بالإضافة إلى ملاحظة عناوينها الجذابة حسب التسلسل الزمني، وجود الفكرة المبدئية التي يمكننا أن نستنبط منها نظرته إلى علم الأديان ومنهجه في دراسته. وسيتّضح لنا ذلك بصورة أكثر من خلال المطالب التالية:
1. مفهوم علم الأديان
وإذا أردنا أن نتحدث عن علم الأديان عند العامري بشىء من التفصيل، فنستطيع أن نبدأ ذلك من خلال تصريح له في كتابه "الإعلام بمناقب الإسلام". وقد تناول تفسير علم الأديان وتوضيحه مؤسسا على ما توصّل إليه من المقارنة الموضوعية والنظرة النقدية العلمية، كما هو واضح من قوله:
"وإذْ عرف هذا، وقد كان سبق القول منا بأن مدار الدين يكون متعلقًا بالاعتقادات والعبادات والمعاملات والمزاجر؛ فغير بعيد أن يعلم العاقل بأدنى الروية أنه ليس ولا واحد من الأديان الستة التي لها خطط وممالك، وهي المذكورة بقوله تعالى؛ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (الحج17) ، إلاّ وله اعتقاد بشىء يجرى سعيه إليه، ومنهجٌ في العبودية يتحرى بالتزامه إقامةَ الطاعة، وأوضاعٌ في المعاملات ينتظم بها معاشُهم، ورسومٌ في المَزَاجِر يَتَحَصَّنُ بها عن البوائق والأشرار..." .
بناء على هذا النص، يتّضح لنا موقفه من بيان مفهوم علم الأديان. وهذه المهمة ليست سهلة، ولكنها في نظره لم تزل في حدود مقدور الإنسان. ويمكن لنا أن نستخلص بأن علم الأديان عنده هو علم يدرس الأديان الستة مع إظهار أركانها وإيضاحها دراسة موضوعية نقدية علمية بهدف إثبات أفضلية الإسلام على سائر الأديان في عقائده وعباداته وتشريعاته ومزاجره. فهذا بمعنى أن العامري يقف موقفا محدّدا ومعيّنا عند دراسة الأديان. أو بعبارة أخرى، إنه يقرر الفكرة المحدّدة عند تطبيق الأبعاد الموجودة المتشابهة أو المبادئ المتفقة لدي الأديان التي اهتم بها. فهذا بخلاف مناهج الغربيين الذين اقتصر فيها أصحابها على دراسة وصفية لامعيارية في تحقيق فهم طبيعة الأديان. والعامري في هذا الصدد، قد أبصر الأديان التي يقارن بينها من خلال المبادئ الأساسية. فاعتماده على الأصول الرئيسية للدين عند دراسة الأديان مما يؤكد عندنا مدى عنايته الشديدة ورؤيته الموضوعية للأديان الأخرى. لأن هذه الأصول عنده مميزة لكل دين من الأديان، ولا يعتبر وجود دين مستقل بدون هذه الأركان.

2. مهمة علم الأديان
وفي ضوء ما سبق بيانه، يبدو أن مهمة علم الأديان، على حدّ تعبير العامري، هي فهم الأركان الدينية التي قدمتها الأديان الستة، ثم المقارنة بينها، ويتبع ذلك نقد الموضوع من خلال الإسلام بكل مناقبه العلية. فيرجى من هذه المهمة – كما وصفها في كتابه – "الإيضاح لفضيلة الملة الحنيفية على سائر الأديان" وإبراز أبدية الإسلام حيث لا يرد النسخ عليه، بل هو الذي يكون ناسخا للأديان كلها .
وبناء على هذا الأساس، اعتبر العامري أن حقيقة علم الأديان تبرز واضحة في تصوره للأبعاد الأساسية للأديان نفسها، وذلك كمِثل حقيقة العقيدة، وحقيقة العبادة، وحقيقة الشريعة، وحقيقة النظام السياسي والاجتماعي. فكل هذه الحقائق الأربع، من وجهة النظر الموضوعية والمنهجية، يرتبط ارتباطا وجوديا بحقيقة الأديان الأخرى، ومن ثَمَّ يحدد موقع هذه الأديان من وجهة نظر المـلة الحنيفية. من هنا، يزيد هذه الحقيقة وضوحا أكثر حسب ما سبق تقريره، أن العامري يقدم لنا مبادئ التعامل مع أهل الأديان الأخرى ليس فقط من مجرد الإنصاف العلمي، بل يؤيد ذلك بالسعي في إبراز ما هو "صواب" منه وما هو "أحق" منه، كما يتضح بجلاء في محاولته لإقناع الناس بموقفه عن "الدين الحق".
ويتأكَّد حسب ما قلنا عناية العامري في تحقيق الأبعاد الرئيسية للأديان بصورة موضوعية علمية، بل تحليلها ومحاولة نقدها من أجل الوصول إلى الدين الحق باعتباره الهدف الأسمى. بخلاف علماء الغرب الذين يؤكِّدون على مدى فهم طبيعة الدين كائنة ما كانت صورته.
ولأجل الوصول إلى مقام الدين الحق، الذي يكون هو هدفا أساسيا عند المقارنة، اعتمد العامري على إثبات الملّة الحنيفية باعتبارها أعلى مناقب من الأديان الأخرى، وذلك خاصّة بالنظر إلى مدار الدين الإسلامي. فهذا مما لا شكّ فيه، أنه يمثل جانبا أساسيا عند دراسة الأديان حتى نصل إلى معرفة الصورة الصواب للدين باعتبارها نتيجة المقارنة، وتتمّ هذه المقارنة والاستـنتاج باستخدام العقل الصريح عند التطبيق، كما سيأتي توضيحه. فهذه هي المهمة التي كرس العامري لها حياته بكل ما أُوْتي من قدرة علمية في التحليل على ما يبدو من كتاباته ومؤلفاته الغزيرة.
3. أهمية علم الأديان
بداية يسلم العامري بضرورة وجود دراسة للأديان ، حتى تتبين فضيلة الإسلام عليها من خلال الأركان الاعتقادية والعبادات والمعاملات والحدود والمزاجر. ولذا، كان وجود دراسة الأديان أو المقارنة بين الأديان الستة التي لها خطط وممالك – كما أشار العامري فيما بعد – نتيجة مترتبة على التسليم بوجود الملة الحنيفية .
ويذهب العامري إلى أن دراسة الأديان ضرورية بحكم الشرع وبحكم العقل. فالشرع قد ذكر في العديد من الآيات صوراً أشارت إلى اعتبار الإسلام هو الدين الواحد، والدين الحق، وذلك مثل ما سماه الإمام ابن تيمية في كتابه "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" بـ"الإسلام العام" . ومن الآيات التي تدل على ذلك؛ قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ اْلإِسْلاَمُ} (آل عمران19)، وأيضا قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ اْلإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران85)، وغيرها من الآيات التي لا يمكن ذكرها هنا تفصيليا. فلعلّ هذه الآية تدل على إثبات الاسم الذي اختاره لأبرز كتابه في مجال دراسة الأديان؛ "الإعلام بمناقب الإسلام" حيث يفصح عن هذا الموقف لديه أبلغ إفصاح وأوضحه.
بناءً على هذا، كان العامري يهتم اهتماما بالغا بدراسة الأديان وفق الآية القرآنية، بل إلى حد بعيد، يقف العامري على نظرته للأديان الموجودة نظرة نقدية علمية مستمدة بكل منطلقاتها من الحقيقة القرآنية . فهذا دليل على أن العامري يؤكد أفضلية الإسلام بكل مناقبه العلية في عقائده وعباداته وتشريعاته وغير ذلك بصورة تفصيلية. فالاتجاه القرآني موجود في فكره، حيث يؤكد على أهمية إبراز أفضلية الإسلام عند التعامل الفكري مع أهل الأديان الأخرى.
وحكم العقل أيضا يؤكد ذلك، لأن العقل عند العامري يوصل الإنسان إلى معرفة الجواهر والمبادئ الأولى للأشياء. وهذه المعرفة التي يصفها بأنها أبدية يقينية، وهي لا تتم إلا عن طريق العقل وحده، متفقة تماما مع القرآن أصل دين الإسلام والملة الحنيفية .
ومما يؤكد على صواب هذا الموقف في ضرورة وجود دراسة الأديان، أنها توصل الإنسان إلى معرفة الجواهر والمبادئ الأولى من الأديان الأخرى من خلال نظرة نقدية علمية. ولن يسمى الإنسان عالِمًا بدراسة الأديان، إلا إذا عرف بسائط هذه الدراسة وعناصرها. فهي المعرفة التي سماها العامري بـ"المعرفة العلمية" المبنية على معرفة المبادئ والأبعاد .

ز. علم الأديان وأهميته عند يواخم واخ
تبدو أهمية دراسة علم الأديان لدي يواخيم واخ من أول مقارنة لنا معه ومع جهوده العلمية عموما، حيث إنه جعل دراسة الأديان محورا تدور حوله كل جهوده وأعماله العلمية التي قدّمها كمحاولة لحلّ مشكلة علم الأديان كعلم متكامل بعيد عن علم اللاهوت والفلسفة . وهذا مما لا يخفي على كل من أُتيح له فرصة الاطلاع على كتابات هذا الرجل الكثيرة والمتنوعة ، بالإضافة إلى ملاحظة عناوينها الأخّاذة الإبداعيّة حول استقلال علم الأديان عن العلوم الفلسفية والعلوم اللاهوتية، فقد كانت هذه الكتابات تمثِّل الذروة والغاية الأسمى لجميع ما كتبه حول علم الأديان.
وقبل الخوض في التفصيل حول إسهامه لعلم الأديان، يمكننا أن ننظر مدى تأثير مراحله الفكرية والعلمية في مجال دراسة الأديان، وإليكم بيانها إجماليا.
يبدو أن المرحلة الأولى من إنتاجه العلمي حسب ما ذكره "يوسيف م. كيتاجاوا" Joseph M. Kitagawa قد أثَّرت بدرجة كبيرة في التأكيد على أهمية الهرمينوطيقا (Hermeneutic) ، فهي نظرية التأويل التي أسست على مهمة علم الأديان بطريقة وصفية تاريخية . وتتمثل هذه المهمة بشكل ملحوظ من اهتمامه وملاحظته حول الأديان الأخرى أو تجربتها الدينية، وذلك من خلال فهم المعلومات الدينية .
وفي المرحلة الثانية من رحلته الفكرية، توجه بدرجة كبيرة إلى التأكيد على بناء الأبعاد المنظمة لعلم الأديان . أو بتعبير آخر دراسة منظمة للظاهرة الدينية، وذلك من خلال ما أدركه من وجود علاقة تضامنية بين الدين والمجتمع. وتتمثل هذه العلاقة بشكل واضح في كتابات تحمل في عناوينها أو في طياتها كلمة “Sociology of Religion” (علم الاجتماع الديني). وقد سمى واخ كتابه الذي نشر عام 1944، والذي يعتبر ذروة جهوده في هذا الموضوع بعنوان “Sociology of Religion” ، فقد أراد واخ أن يُقنع الباحثين بالحاجة إلى بناء العلاقة بين علم الأديان والأنظمة العلمية الأخرى كالمجتمع والعلوم الإنسانية .
وفي المرحلة الأخيرة من دراسته وإسهامه لهذا العلم، دافع واخ عن أهمية التأثير المتبادل والتعاون بين علم الأديان والأنظمة المعيارية كفلسفة الدين وعلم اللاهوت . فقد حاول واخ أن يقدِّم علم الأديان كعلم متكامل لفهم الجوانب المختلفة من التجربة الدينية والتعبير عنها، لا تتم علاقته بالعلوم الإنسانية فحسب، بل تمت العلاقة بالعلوم المعيارية أيضا، ويتم هذا الجهد خاصة كما وصفه في كتابه “Types of Religious Experience: Christian and Non-Christian” [أنواع التـجربةِ الديـنيةِ: المسيحي وغير المسيحي] و “The Comparative Study of Religions”.. [الدراسة المقارنة للأديان] .
إن هذه المراحل الفكرية قد أثرت بدرجة كبيرة في تلوين وتوجيه علم الأديان عند "يواخيم واخ"، الذي تناول بيان مفهوم علم الأديان من جوانب متعدِّدة، وإليكم تفصيلها.
1. مفهوم علم الأديان
وقد ذكرت من قبل، أن "واخ" قد بدأ تحليله لعلم الأديان كعلم جديد منظّم، سمّاه بـ"علم الأديان" منذ بداية إنتاجه العلمي في المرحلة الأولى. وهذا العلم في نظره يتضمّن ويشتمل على نوعين أساسيين من الدراسة، الأول: "تاريخي" (historical) والثاني: "منظّم" (systematic) . وهذا الأمر مما يمكننا من إدراك أهمية فكرته عن علم الأديان، فهي "الفهم" (understanding) للأديان الأخرى بكل طبائعها جميعا. ويراد من هذه الطبيعة هي طبيعة التجربة الدينية بكل جوانبها سواء كان في الفكر أو العمل أو العضو الجماعي .
وهذا الفهم على حد كلامه لا يتم بلوغه إلا من خلال الدراسة المنظمة للأديان، لأنها تحاول أن تلاحظ كينونة الأديان ووجودها من ناحية دراسة أجزائها المكونة لها(cross-section) . وتتمثل هذه المحاولة بدرجة كبيرة عند بنائها للأبعاد المنظمة في علم الأديان في المرحلة الثانية – كما سبق بيانها. فهذه هي نتيجة محاولته لعلم الأديان حيث تركز على فهم دراسة أجزاء كل الأديان المكونة لها مثل العقيدة، والطقوس الدينية، وما أشبه ذلك.
وقد شرع واخ في هذا البحث جديا محاولا الاستيعاب لجميع جوانب القضية حتى توصل إلى نتيجة معينة عن "مفهوم علم الأديان". فهذا مما يلفت النظر، أنه يعتبر كأبرز الباحثين في مجال دراسة الأديان وأشهرهم في علم الاجتماع الديني. فقد ذكر "واخ" أن علم الأديان هو علم يدرس الأديان المختلفة دراسة وصفية بهدف فهم طبائعها جميعا . يبدو من هذا الموقف، معالجته وتحليله لهذا التعريف، بل إثباته تاريخيا وتجريبيا. وقد أوضح واخ أن دراسته ووصفه للأديان الأخرى لا يتم إلا من خلال الكشف عن مغزاها ومناقشتها حول إدعاء الحق الذي قدمته هذه الأديان بكل صورها وطبائعها .
لكن مما يلفت النظر، أن ظهور هذا التعريف يؤدى إلى كيفية التفاعل والتكيف عند كثير من الباحثين والمحللين، وذلك لوجود اختلاف نوعية الاقتراب وكمية قدره، والمناهج والأهداف التي يلتـزم بها صاحبها. لأن الحق المطلق حسب ما يراه الباحثون الغربيون في العصر الحديث ليس وقفا على دين معين، بل له ولغيره الحق النسبي الجزئي.

2. مهمة علم الأديان
كما هو معلوم بشكل واسع النطاق، فإن عملية مهمة علم الأديان تفترض منطقيا وجود الملاحظة، والتأويل للمعلومات التاريخية. ومن هنا أعتقد، مناسبة إدراج كل المناهج والإجراءات العلمية ضمن هذا العمل بشكل لا يدع مجالا للالتباس والغموض، بل كان مصيرها سيرجع إلى ما ذكرتُ "تاريخي" و"تنظيمي" تماما، فهو يحاول الوصول إلى الهدف الأسمى "فهم الأديان".
فقد قال يواخيم واخ في غير موضع بأن أكبر القضايا وأكثرها أهمية لدراسة الأديان في هذا القرن هو تعدد التجارب التي قدمتها الأديان في العالم. واستطرد قائلا:
"إن تاريخ الأديان يدرس التعدد من الناحية القابلة للتجربة في الأديان. وهدفها أن يستكشف ويفهم ويصوّر الناحية القابلة للتجربة فيما يتعلق بتطوّرِها – وذلك "بامتدادها في الزمان"، أو على النحو التاريخي – وإضافة إلى كينونتها – بدراسة "أجزائها المشتملة عليها" .
يتبيّن لنا من هذا التعبير، أن واخ يؤكّد على الوظيفة الأكبر لعلماء الأديان اليوم، وهي البحث عن المعلومات التاريخية للأديان وتحقيق المظاهر المنظمة لها . وهذه المعلومات التاريخية، في نظره، أكبر وأعظم من أن تُحقَّق على الأساس الديني، لأن الأديان عنده ظاهرة تاريخية . ولكن السؤال الذي يطرح على نفسه إزاء ذلك هو: كيف يتم ذلك؟ فهذا السؤال، في الحقيقة، هو الذي حاول واخ بما أوتي من قوة علمية منطقية أن يقدم له الجواب الشافي والحاسم، وإن لم يكن حلا أو أجابة عن كل همومه الفكرية الدينية. وقد لاحظ واخ، بعد دراسة طويلة متعمقة، أن مهمة تاريخ الأديان هي دراسة الأديان المختلفة المبنية على التجربة . فيطرح السؤال بعده: إلى حدٍّ ما عن طبيعة وماهية هذه التجربة؟ . وقد أكّد واخ، أن أوّل معيار للتجربة الديـنية هو الاستـجابة للحقـيقة المـطلقة (Ultimate Reality) .
ويبدو أن النقطة الأساسية الأولى في دراسة علم الأديان تفترض شيئا من الالتزام الديني "التجربة الدينية" كيفما فسّر وترجم هذا المصطلح، في قسم "حيوان متدين" (homo religious)، ويصح أن يُدعى ذلك بـ "تجربة المقدس" (Experience of the Holy/Experience of the Sacred)، أو "تجربة القوة" (Experience of Power). فهذا ما يكون له الأوْلَوِيَّة عند دراسة أية ظاهرة دينية.
3. أهمية علم الأديان عند يواخيم واخ
انطلقت نظرة واخ إلى علم الأديان أساسا من تفسير وتقييم كل التعابير عن التجربة الدينية في وجهتين، أولهما: الكشف عن الحقائق، وهو إجراء خاص يتعهّد بالبحث عن حقيقة موضوعية. وثانيهما: تضييق وتحديد وتعيين تفاعلنا مع هذه الحقائق، فهذا هو شأن التقييم . وهذه النظرة تعد من أهم القضايا في دراسة الأديان وأكثرها حساسية وخطورة، وقد حظيت باهتمام كبير من قبل علماء الغرب المعاصرين، خاصة فيما يرتبط بالجوهر الأساسي للدين .
وإن ما أكّد عليه يواخيم واخ، بأهمية علم الأديان، أعتقد أنها، وإن تنوعت واختلفت بل وتضاربت أقوال وآراء العلماء والباحثين في تحديد هذا الجوهر الديني، فهو صحيح إلى حدّ كبير لما فيه من الواقعية التاريخية في حياة الأمم الدينية على مرّ الأزمان والعصور . وأراد واخ اعتبار الحياة الدينية كوسيلة هامة للوصول إلى فهم أي دين، لأن فهم الدين يقتصر على جانب واحد من الحياة الدينية، بل يتعلق بفهم الأديان العالمية كلها. فأصبح علم الأديان في نظره كالبنية المنظمة الوحيدة (Unique Configuration) في الحياة الإنسانية بكل مبادئها وقوانينها .
وفي ضوء ما أشرنا إليه من قبل، نستطيع أن نقول بكل اطمئنان: إن استقلال علم الأديان في نظر واخ أمر يرجى قبوله، لأنه يؤدى إلى ضمان الحرية للباحث بصدق، وهو في الوقت نفسه يجعله غير متحامل. وبوجود ملاحظة الحقائق الموضوعية وفهم المعلومات الدينية مع تعيينها وتقييمها في إطار محدود، يؤيد على الإدعاء الديني (religious claim)، والتعبير الذاتي أو الشخصي عن الدين (religious self-expression) الذي أسسه واخ، فهذا الأمر لا حاجة به إلى نقاش طويل ولا حاجة له للتصريح والتوضيح .
فيتبين من هذا أهمية علم الأديان بين العلوم الأخرى، لأنه بوسيلة التجربة الشخصية المعبرة عنها، يكشف الإنسان أمامه الأحقية المطلقة بدون أن يعتمد على علم الكلام أو اللاهوت التي تقتصر وظيفتها من خلال المبادئ الدينية الخاصة فحسب. وأراد واخ بهذه الأهمية إبراز مفهوم الدين الجديد المبني على فهم طبائع الأديان في العالم. وهو يماثل بفكرة هؤلاء الدراسين من مدرسة الظاهراتية التي عبّر عنها Malinowski, Radcliffe-Brown, Evans-Pritchard، حيث قاموا على دراسة الأديان من خلال فهم طبائع الأديان والنظر إليها من زاوية كونها ذات بنية واحدة يمكن أن ترُى منها .
وتتم هذه الأهمية من خلال التجارب الدينية كجوهر أساسي في دراسة الأديان كما وصفها بصورة أكثر في كتابه؛ “The Comparative Study of Religions” (الدراسة المقارنة للأديان)، حيث يفصح عن هذا الموقف لديه بتركيزه على التعابير المتنوعة للتجربة الدينية. بهذا الجهد، حاول واخ المقارنة العلمية بقدر المستطاع بالمعرفة التامة من خلال هذه التجربة بكل معانيها، وبكل أساليب التي لابد عليها صاحبها، وبكل ما يجب عليها الناس آداءها .
ط. تقييم مفهوم علم الأديان وأهميته بين العامري ويواخيم واخ
بعد التحليل الموجز لمفهوم علم الأديان بين العامري وواخ، وعرض أهميته عندهما، نريد الآن النظر في القيمة العلمية لهذا المفهوم. وعندما نمعن النظر في هذه القيمة من خلال هذين العالمين، نستطيع أن نرى ما يلي:
حاول العامري دراسة الأديان دراسة موضوعية علمية مؤسسة أصلا على إدراكه حقيقة دينه الإسلام أو هي مبنية على نظرته الإسلامية للدين، ثم تطبيقها على الأبعاد الرئيسية المحددة عند دراسته للأديان. أقول هنا: إن العامري في هذه الدراسة يعتمد على المبادئ الصميمة وهي الإسلام، وذلك باتباع الأبعاد الدينية المتفق عليها. واعتبار وجود دين مستقل مبني على تلك الأبعاد، ولا يسمى الدين دينًا ما دام لم يتّصف بهذه الأبعاد.
وهذا يوضِّح لنا موقفه في تحقيق الدين الحق، كما يتضح بجلاء عند إشارته إلى أهمية الدين الحق من خلال تدبره في إبراز أفضلية الإسلام على الأديان الأخرى. فأهمية علم الأديان في هذا المجال تنـزل منـزلة أصيلة، وذلك بوجود اعتماده على الدين الحق المبني على القرآن الكريم، وهو الإسلام، كما يتضح أيضا من أهمية وجود العقل البشري في معرفة الجواهر الأولى من الأديان عند الدعوة إلى الحق.
والعامري بهذا الأمر أشار إلى استخدام الحجة العلمية والبراهين العقلية قبل أن يعتقد دينا ما. وهذا هو شأنه ليقنع الناس عندما يبرز الأفضلية في الإسلام باعتباره الدين الحق. وبهذه الصورة، حاول العامري إزالة الشبه أو الباطل عما يتصوره أمثال علماء الغرب الحديث.
وهذه الأمور كلها تختلف تمام الاختلاف عما يفعله الغرب أصلا، خاصة يواخيم واخ حين يحاول تطبيق نتيجة التجربة الدينية على دراسته للأديان. فدراسته للأديان تتوقف على مجرد دراسة وصفية علمية بلا هدف. وهي تختلف عما أرسى عليه العامري الأركان الرئيسية للدين، بل إلى حدّ بعيد، كانت دراسته للأديان ضعيفة حتى جوانبها العلمية الدينية الموضوعية، حيث يمكن حصرها فيما يلي؛
حينما نناقش مفهوم علم الأديان الذي طرحه يواخيم واخ، نجد أنه يحاول أن يفهم الأديان بجميع طبائعها. وهذا يعنى أنه يحاول فهم الدين فهما تاما بكل جوانبه الدينية، سواء كان من خلال أفكار أتباعه، أو ممارستهم له، أو مشاركتهم في تحقيق التجربة الدينية. أقول هنا: إن ما حاوله في تحليل علم الأديان بملاحظة الحقائق الدينية، إنما هي من أجل فائدة دينية معينة خاصة، ولم يستطع تعميمها على سائر الأديان في العالم. وكان يواخيم واخ في هذه الناحية، قد ركز على تناسب علم الأديان بموضوع مادته، وهي التجربة الدينية المعبر عنها بأنواعها وأشكالها، وجعل الحكم على الجميع من خلال التجربة البشرية، ثم تلخيصها للوصول إلى الحقيقة المطلقة. أهذا هو شأن تقييمه للجوهر الديني؟ ألم تكن هذه الفكرة هي الفكرة التي تهدم الأديان؟ لهذا، أعتبر أن محاولة واخ العلمية في هذا المجال محاولة عقيمة، غير واضحة، متحيزة المعنى، وليس لها أساس ومبدأ صميم. وهي من الأفكار التي تهدم لاهوتية الأديان في العالم بتعميم المبادئ الدينية الثابتة المكونة داخل صورة التجربة الدينية. وهذا ما اتضح لي بحسب ما سبق بيانه.
على أساس ما قلنا، أصبح علم الأديان علما مستقلا عن علم الكلام أو اللاهوت والفلسفة، رغم أن التركيز الرئيس لعلم الأديان يتعلق بطبيعة الأديان من خلال ما تقرره الدراسة البشرية حتى في تحقيق كون الدين حقا. وحينما ركز علم الأديان على الناحية التاريخية والوصفية، فإنه يركز على شىء أساسي من المبادئ الأساسية للدين. وفي الأصل، التركيز حول المبادئ الأساسية للدين من وظيفة علم اللاهوت أو الكلام، وليس من وظيفة علم الأديان، حيث كانت مبادئه مقصورة على التجربة الشخصية المتغيرة حسب الظروف والأحوال والمكان. فلا يمكن اعتبار المبادئ الأصلية بما في ذلك الدين بالتجربة الشخصية المتغيرة والمتجددة والمتطورة في قلوب الناس وسلوكهم. لذا، أعتقد أن جهده في بناء علم الأديان ليس مبنيا على الفحص الحقيقي للأديان بما لديها من المبادئ الثابتة، وإنما يتوقف على الفحص النسبي على دينية المتدينين بما لديها من التجارب أو الخبرة المتقلبة.
ولكن – مع هذا – يتبين حسب ما عرضنا عناية واخ العلمية بتحليل علم الأديان وأهميته، ويتضح أيضا محاولته التعامل والتعرف مع أهل الأديان الأخرى من خلال هذه التجارب الدينية. لكن واخ في هذه الناحية لم يحقق لنا شيئا من الأهداف في دراسته عن الأديان؛ ولم يوضح لنا ما يكون صوابا أو أفضل من الأديان التي تُدرس. ومن المفروض عليه محاولة تحديد ما هو أحسن وأقوم وأفضل حتى يتضح لنا صورة الدين الحق. ألم تكن محاولته في هذه الدراسة مجرد محاولة وصفية عن الدين فحسب؟
هذه هي الانتقادات العامة التي ظلت في إطار المبادئ العامة في مجال دراسة الأديان عند أبي الحسن العامري ويواخيم واخ. لعل من أهم تلك المبادئ، اعتبار واخ أن هناك مبدأ بدهيا هو "شخصية التدين" بمعنى حرية الإنسان في تشكيل تصوراته الدينية من خلال تجربته الدينية. أو ما يمكن تسميته "وضعية التدين"، فهو مبدأ جديد لا يخرج عنه اتجاه من الاتجاهات الغربية الحديثة في الغرب، وهو ما يرفضه الإسلام رفضا قاطعا تاما.

قائمة المصادر
من المصادر العربية:
ابن تيمية، شيخ الإسلام الإمام العلامة أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم، الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح، (مطابع المجد التجارية، د.م، د.ت)، ج. 4
أبو زيد، د/ منى أحمد، الإنسان في الفلسفة الإسلامية؛ دراسة مقارنة في فكر العامري، (بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، 1994)،
خليفات، د/ سحبان، رسائل أبي الحسن العامري وشذراته الفلسفية، منشورات الجامعة الأردنية، عمان، 1988
العامري، الإعلام بمناقب الإسلام، تحقيق الدكتور أحمد عبد الحميد غراب، (الرياض، المملكة العربية السعودية: دار الأصالة للثقافة والنشر والإعلام، 1988)،
_____، الأمد على الأبد، تحقيق أورت.ك.روسن، (بيروت: دار الكندي، 1979)
الشرفي، عبد المجيد، الفكر الإسلامي في الرد على النصارى، (تونس: الدار التونسية للنشر، د. س)
الشنتناوي، أحمد، دائرة المعارف الإسلامية، الجزء الثامن، دار الفكر، بيروت، 1933.
محمد، د/ دين، في مقالته بعنوان: "من مناهج علماء المسلمين في دراسة الأديان"، في حولية الجامعة الإسلامية العالمية (إسلام اباد، باكستان: العدد الثالث)
ياقوت، معجم الأدباء، ج. 3، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، د.س.

من المصادر الإنجليزية:
Allen, Douglas, Structure and Creativity in Religion; Hermeneutics in Mircea’s Phenomenology and New Directions, (The Hague, New York: Mouton Publisher, 1978)
Eliade, Mircea (ed), The Encyclopedia of Religion, (New York: Macmillan Publishing Company, 1987)
Guralnik, David. B., Webster’s New World Dictionary of The American Language, (New York: Simon and Schulter, 1981)
Hanks, Patric (ed.), Collins English Dictionary, (Oxford: William Collins, 1981), p. 1306; Dictionary Macmillan, (New York: Macmillan Publishing Company, 1987)
Smart, Ninian, The Science of Religion and the Sociology of Knowledge, (Princeton, New Jersey: Princeton University Press, [1973], 1977)
Sharpe, Erich. J, Comparative Religion: A History, (New York: Charles Scribner’s Sons, 1975)
Swatos, William. H (ed.), (art) ‘Science and Religion’ in Encyclopedia of Religion and Society, (United States America: Alta Mira Press, 1998)
Wach, Joachim, edited by Joseph M. Kitagawa and Gregory D. Alles with the Collaboration of Karl W. Luckert, Introduction to The History of Religion, (New York and London: Columbia University Press, 1988)
____________, The Comparative Study of Religion, edited with an Introduction b Joseph M. Kitagawa, (New York, London: Columbia University Press, 1858)
____________, Types of Religious Experience: Christian and Non-Christian, (Chicago: University of Chicago Press, 1951);
____________, The Comparative Study of Religions, by Joseph M. Kitagawa (ed.), (New York: Columbia University Press, 1958).
____________, Sociology of Religion, (London: The University of Chicago Press. Ltd., 1962)
Whalling, Frank, Contemporary Approach to the Study of Religion, (Berlin, New York: Mouton Publisher, 1984).

Tidak ada komentar:

Posting Komentar